هل الاعتقاد بالسلطة الغيبية لغير اللَّه معيار التوحيد والشرك؟

  • 22 اسفند, 1392 - 16:49
لاشك في أنّ طلب الحاجة من أحد- بصورة جدية- انّما يصح إذا اعتقد طالب الحاجة بأنّه قادر على‏ إنجاز حاجته. و هذه القدرة قد تكون قدرة ظاهرية و مادية، كأن نطلب من أحد أن يسقينا ماء، و يجعله تحت تصرّفنا. و قد تكون القدرة قدرة غيبية، خارجة عن نطاق المجاري الطبيعية و القوانين المادية، كأن يعتقد أحد بأنّ الإمام علياً عليه السلام قلع باب «خيبر» بالقدرة الغيبية، كما جاء في الحديث أو أنّ المسيح عليه السلام كان يقدر، بقدرة غيبية على‏ منح الشفاء لمن استعصى‏ علاجه، دون دواء، أو إجراء عملية جراحية.

لاشك في أنّ طلب الحاجة من أحد- بصورة جدية- انّما يصح إذا اعتقد طالب الحاجة بأنّه قادر على‏ إنجاز حاجته. و هذه القدرة قد تكون قدرة ظاهرية و مادية، كأن نطلب من أحد أن يسقينا ماء، و يجعله تحت تصرّفنا. و قد تكون القدرة قدرة غيبية، خارجة عن نطاق المجاري الطبيعية و القوانين المادية، كأن يعتقد أحد بأنّ الإمام علياً عليه السلام قلع باب «خيبر» بالقدرة الغيبية، كما جاء في الحديث أو أنّ المسيح عليه السلام كان يقدر، بقدرة غيبية على‏ منح الشفاء لمن استعصى‏ علاجه، دون دواء، أو إجراء عملية جراحية.

و الاعتقاد بمثل هذه القدرة الغيبية إن كان ينطوي على‏ الاعتقاد بأنّها مستندة إلى‏ الإذن الإلهي و إلى‏ القدرة المكتسبة منه سبحانه، فهي حينئذ لاتختلف عن القدرة المادية الظاهرية، بل هي كالقدرة المادية التي لايستلزم الاعتقاد بها الشرك، لأنّه سبحانه الذي أعطى‏ القدرة المادية لذلك الفرد، هو أيضاً أعطى‏ القدرة الغيبية لآخر، دون أن يعد المخلوق خالقاً، و أن يتصوّر استغناء أحد عن اللَّه.
فلو قام أحد بمعالجة المرضى‏ عن طريق السلطة الغيبية، فقد قام بأمر اللَّه، و إذنه و مشيئته، و مثل ذلك لايعد شركاً.
و تمييز السلطة المستندة إلى اللَّه عن السلطة المستقلة هو حجر الأساس لامتياز الشرك عن التوحيد، و بذلك يظهر خطأ كثير ممّن لم يفرّقوا بين السلطة الغيبية المستندة، و السلطة الغيبية غير المستندة.

و قالوا: لو أنّ أحداً طلب من أحد الصالحين- حياً كان أم ميتاً- شفاء علّته أو رد ضالّته أو أداء دينه، فهذا ملازم لاعتقاد السلطة الغيبية في حق ذلك الصالح وانّ له سلطة على‏ الأنظمة الطبيعية، الحاكمة على‏ الكون بحيث يكون قادراً على‏ خرقها و تجاوزها، و الاعتقاد بمثل هذه السلطة لغير اللَّه عين الاعتقاد بإلوهية ذلك المسؤول، و طلب الحاجة في هذا الحال يكون شركاً.
فلو طلب إنسان ظامئ الماء من خادمه فقد اتّبع الأنظمة الطبيعية لتحقّق مطلبه، أمّا إذا طلب الماء من إمام أو نبي موارى‏ تحت التراب، أو عائش في مكان ناءٍ، فانّ مثل هذا الطلب ملازم للاعتقاد بسلطة غيبية لهذا النبي، أو الإمام على‏ نحو ما يكون للَّه سبحانه، و مثل هذا عين الاعتقاد بإلوهية المسؤول!!

و مّمن صرّح بهذا الكلام الكاتب أبو الأعلى‏ المودودي إذ يقول: «صفوة القول إنّ التصوّر الذي لأجله يدعو الإنسان الإله، و يستغيثه، و يتضرّع إليه هو- لاجرم- تصوّر كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على‏ قوانين الطبيعة و للقوى‏ الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة».
و هذا الكلام صريح في أنّه جعل الاعتقاد بهذه السلطة المهيمنة ملاكاً للاعتقاد بالإلوهية، و قد صرّح بذلك في موضع آخر من كتابه حيث جعل ملاك الأمر في باب الإلوهية، هو الاعتقاد بأنّ الموجود المسؤول قادر على‏ أن ينفع أو يضر
بشكل خارج عن إطار القوانين والسنن الطبيعية المألوفة إذ قال:
 «فالذي يتخذ كائناً ما ولياً له و نصيراً و كاشفاً عنه السوء، و قاضياً لحاجته و مستجيباً لدعائه، و قادراً على‏ أن ينفعه، كل ذلك بالمعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية يكون السبب لاعتقاده ذلك ظنّه فيه انّ له نوعاً من أنواع السلطة على‏ نظام هذا العالم، و كذلك من يخاف أحداً و يتّقيه يرى‏ أنّ سخطه يجر عليه الضرر، و مرضاته تجلب له المنفعة لايكون مصدر اعتقاده ذلك و عمله إلّا ما يكون في ذهنه من تصوّر أنّ له نوعاً من السلطة على‏ هذا الكون ثم إنّ الذي يدعو غير اللَّه و يفزع إليه في حاجته بعد إيمانه باللَّه العلي الأعلى‏ فلا يبعثه على‏ ذلك إلّا اعتقاده فيه أنّه له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الإلوهية».
و صريح هذا الكلام هو التلازم بين القدرة على‏ النفع و الضرر، و الاعتقاد بالسلطة الإلوهية، و انّ كل قدرة على‏ النفع والضرر من غير المجاري الطبيعية ينطوي على‏ الإلوهية، بالملازمة.

و هذا جداً عجيب من المودودي. إذ مضافاً- إلى أنّ الاعتقاد بالإلوهية لايستلزم الاعتقاد بالسلطة في الطرف الآخر، بل يكفي الاعتقاد بكونه مالكاً للشفاعة و المغفرة كما كان عليه فريق من عرب الجاهلية، إذ كانوا يعتقدون في شأن أصنامهم بأنّها آلهتهم، لأنّها مالكة شفاعتهم و مغفرتهم و معلوم- جيداً- انّ مالكية الشفاعة غير القول بوجود السلطة التي يراد منها: السلطة على‏ عالم التكوين- إنّ الاعتقاد بالسلطة الغيبية الخارجة عن إطار السنن الطبيعية لايوجب الاعتقاد بالإلوهية.
إنّ السلطة على‏ الكون بجميعه- فضلًا عن بعضه- إذا كانت بأقدار اللَّه تعالى‏ و بإذن منه- فهي بنفسها- لاتلازم الإلوهية، فكما أنّ اللَّه أعطى‏ لآحاد الإنسان قدرة محدودة في أُمورهم العادية وفضّل بعضهم على‏ بعض في تلك القدرة، فكذلك لامانع من أن يعطي لفرد أو أفراد من خيار عباده قدرة تامة غير عادية على‏ جميع الكون، أو بعضه، وذلك بنفسه لايستلزم الإلوهية، و الذي يمكن أن يقع عليه الكلام هو البحث عن وجود تلك القدرة و أنّه سبحانه هل أعطى‏ ذلك أو لا؟ و القرآن يصرّح بذلك في عدّة موارد، منها ما ورد في شأن يوسف عليه السلام.

* النبيّ يوسف و السلطة الغيبية: أمر يوسف عليه السلام إخوته بأن يأخذوا قميصه إلى أبيه و يلقوه على‏ بصره ليرتدّ بصيراً كما يقول القرآن الكريم في هذا الشأن:
 «اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى‏ وَجْهِ أبي يَأْتِ بَصِيراً» [يوسف- 93].
 «فَلَمّا أَنْ جاءَ البَشيرُ ألقاهُ عَلى‏ وَجهِهِ فَارْتَدَّ بَصيراً» [يوسف- 96].
إنّ ظاهر الآية يعطي أنّ رجوع البصر إلى يعقوب كان بإرادة يوسف و انّه لم يكن فعلًا مباشرياً للَّه سبحانه و إنّما فعل ما فعله يوسف بقدرة مكتسبة منه سبحانه.
و لو كان إشفاء يعقوب مستنداً إلى اللَّه سبحانه مباشرة بلا دخالة يوسف لما أمر إخوته أن يلقوا قميصه على‏ وجه أبيهم، بل يكفي هناك دعاؤه من مكان بعيد، و ليس هذا إلّا تصرّف لولي اللَّه في الكون بإذنه سبحانه.

* النبيّ موسى‏ و السلطة على‏ الكون: و نظير هذا نجده في أنبياء آخرين كموسى‏ عليه السلام، إذ قيل له:  «اضْرِبْ بِعَصاكَ الحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرةَ عَيْناً» [البقرة- 60].
فلو لم يكن لضربه بالعصا عن إرادته، تأثير في تفجير الماء من الصخر لما أمر به اللَّه سبحانه.
و ربما يتصوّر أنّ موسى‏ يضرب بعصاه و لكن اللَّه هو الذي يفجّر الأنهار، فهذا لايدل على‏ سلطة غيبية لموسى‏، إذ غاية الأمر أنّ اللَّه تعالى‏ يفعل تفجير الأنهار عند ضربه، لكنّه ضعيف يرجع إلى لغوية الأمر بالضرب بالعصا، فانّ الضرب بالعصا ليس من قبيل الدعاء حتى‏ يقال إنه سبحانه يجيب دعوته عند دعائه، و على‏ الجملة لايمكن أن تنكر دخالة ضربه بالعصا  و إرادته ذاك العمل في تفجّر الأنهار  و إن كان إذنه سبحانه و مشيئته فوقه. و لاتدل الآية على أزيد من هذا.
و مثله قوله سبحانه: «فَأوْحَيْنا إلى مُوسى‏ أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطَّوْدِ العَظِيمِ» [الشعراء- 63].
و دلالة هذه الآية على‏ ما نرتئيه لاتقصر عن دلالة الآية السابقة.

* أصحاب سليمان و السلطة الغيبية: أنّ مثل هذه السلطة الغيبية لم تقتصر على‏ من ذكرنا بل يثبتها القرآن الكريم لأصحاب سليمان و حاشيته فها هو أحد حاشيته يضمن له عليه السلام بإحضار عرش ملكة سبأ قبل أن يقوم من مقامه، و قبل أن ينفض مجلسه إذ قال سبحانه:  «قالَ يا أَيُّها المَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُوني مُسْلِمِينَ* قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الجِنِّ أنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِك و إنّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أمِينٌ» [النمل، 38- 39].
بل و يضمن له آخر من حواشيه أن يحضر العرش المذكور في أقل من طرفة عين إذ قال: «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَءَاهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضلِ رَبّي» [النمل- 40].
و لم يتبيّن- إلى‏ الآن- ما المراد من هذا العلم الذي كان يحمله قائل هذا القول: «أنا آتيكَ بهِ قَبلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ».
و سواء أكان المراد من ذلك هو العلم بخواص الأشياء الغريبة و كيفية معالجتها و إحضارها من مكان بعيد في أقل من طرفة عين، أم كان المراد منه غيره.
و على‏ أيّ تقدير فليس هذا العلم من سنخ العلوم الفكرية التي تقبل الاكتساب و تنال بالتعلّم، و هذا يكفي في عدّ عمله خارقاً للنواميس العادية و السنن الطبيعية المكشوفة الرائجة. و ربما يحتمل أنّه إذا كان عمله مستنداً إلى عمله بغرائب خواص الأشياء المستورة على‏ الناس لايخرج عن كونه عملًا طبيعياً، و إن كان يعد غريباً و لعلّه كان له علم بغرائب الخواص.
يلاحظ عليه بأنّه- مع أنّه احتمال غير مدعم بدليل- لا يخرج عمل العامل عن كونه قرين المعجزات وعديل الكرامات التي لايقدر عليها إلّا أولياء اللَّه سبحانه.
و قد احتمل بعض في باب المعجزات أن يكون عمل الآتي بها، مستنداً إلى‏ علمه بالسنن الطبيعية التي لم يقف عليها أحد من الناس، فيتصرّف في الطبيعة لإحاطته بتلك القوانين غير المعروفة، و ليس هذا من العلوم الفكرية التي تقبل الاكتساب و التعلّم، و هذا يكفي في عدِّه معجزة أو كرامة.

 

 

 

منبع

کتاب التوحيد و الشرك فى القرآن‏،  خواجه نصير الدين طوسى‏.

بازنشر

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Fill in the blank.